تكلّمنا في مقالةٍ سابقة عن وحي الكتاب المُقدَّس، ورأينا أن للعنصر البشري تأثيراً في الشكل الذي به وصل الوحي إلينا. ونريد في هذا المقال النظر إلى أشخاصٍ استخدمهم الله في نقل فكره وإيصال إعلانه وتدوين ووحيه.
شارك أكثر من أربعين شخصاً في كتابة الكتاب المُقدَّس في الفترة الممتدة ما بين 1445 ق.م. و100 م. تقريباً. كان بعضهم أنبياء، وآخرون اشتُهِروا بحكمتهم، وآخرون مؤرّخين، وآخرون كهنة، وآخرون رافقوا المسيح أو رافقوا مرافقيه.
لا نعرف أسماء كل كتّاب أسفار الكتاب الُقدَّس، إذ بعضهم لا يُذكَر في الأسفار التي كتبوها، ولا يشير التقليد إليهم ككتّاب لتلك الأسفار. ولذا، سنتحدَّث في ما يلي عن أشهر الكتّاب الذين نعرفهم ونعرف ماذا كتبوا.
1. موسى: وُلِد موسى في أرض مصر من سبط لاوي، أحد أسباط إسرائيل الاثني عشر التي كانت قد لجأت إلى مصر بسبب مجاعةٍ حصلت في أرض كنعان. تربّى موسى وتعلَّم في البلاط الملكي في مصر كابنٍ لابنة فرعون. وإذ سعى لإنصاف شعبه، اضطرَ للهرب إلى الصحراء والعيش فيها أربعين سنة. وفي نهاية هذه الأربعين سنة التقى الله به وأوكل إليه مهمة قيادة شعب إسرائيل في الخروج من مصر. كان موسى يلتقي بالله وقد “عرفه الرب وجهاً لوجه” (تثنية 34: 10؛ انظر خروج 33: 7-11). ولهذا، أطلعه الله على أمورٍ لم يتمكَّن آخرون من معرفتها. كتب موسى الأسفار الخمسة الأولى في الكتاب المُقدَّس (تكوين، خروج، لاويين، عدد، التثنية)، والمزمور 90 أيضاً.
2. عزرا: كان عزرا كاهناً من نسل هارون (انظر عزرا 7: 1-5)، وكان يتقِن الشريعة وكاتباً ماهراً لها (عزرا 7: 6). نشأ عزرا في بابل بعد أن سُبي الشعب العبري إليها، وعاد إلى أرض الموعد لاحقاً ليقود الشعب العبراني في نهضةٍ روحية. يؤكِّد التقليد على أنّه كتب سفر أخبار الأيام وسفر عزرا.
3. نحميا: كان نحميا يهودياً من المسبيين، وكان ساقي الملك الفارسي. كان إنساناً ممتلئاً من الإحساس بالمسؤولية تجاه شعبه وأرض أجداده، وكان رفيقاً لعزرا في مساعيه لتحقيق نهضة روحية. يميل التقليد بقوّة إلى الاعتقاد بأنّه مَن كتب سفر نحميا
4. داود: هو الملك الثاني لإسرائيل، ومؤسِّس سلالة ملكية استمرّت حتّى السبي إلى بابل عام 586 ق.م.، وقد أُعطي وعداً بأن يأتي المسيح الموعود به من نسله. كان داود شاعراً، وقد كتب حوالي نصف سفر المزامير بأشعارٍ عذبة عبَّرت عن مختلف الأحاسيس تجاه الله والنفس والآخرين.
5. سليمان: كان سليمان ابناً لداود، وهو الملك الثاني من سلالةِ داود. حين سأله الرب عمّا يريده، طلب منه حكمةً (1ملوك 3: 1-15)، فصار “أحكم من جميع النّاس” (1ملوك 4: 31)، ودوَّن الكثير من حكمته وشعره (1ملوك 4: 30-34) في أسفار الأمثال والجامعة ونشيد الأنشاد، كما كتب المزمورين 72 و127.
6. آساف: كان آساف من سبط لاوي (2أخبار 5: 12)، وبالتالي كان قريباً من خدمة خيمة الاجتماع والهيكل (والتمتع بها). وقد عُيِّن قائداً لفريق التسبيح في الهيكل (1أخبار 16: 5، 7). وقد كتب آساف اثني عشر مزموراً (50، 73-83).
7. بنو قورح: هم أبناء قورح الذي تحدَّى قيادة موسى، وهلك (سفر العدد 16: 1-5، 24). ويبدو أن بني قورح لم يوافقوا أباهم في موقفه هذا (انظر سفر العدد 26: 9-11). ولأنّهم كانوا لاويين، كانوا قريبين من خدمة خيمة الاجتماع والهيكل، وكان لهم دورٌ في قيادة التسبيح فيهما. كتبوا أحد عشر مزموراً (42، 44-49، 84-85، 87-88).
8. هيمان وإيثان: كانوا من الحكماء (1ملوك 4: 31)، وكتبا المزمورين 88 و89.
9. أجور ولموئيل: كانا من حكماء الشرق، ولكنّ الراجح أنّهما لم يكونا يهوديي الجنس. كتبا الأصحاحين 30 و31 من سفر الأمثال.
10. إشعياء: كان نبياً خدم في الفترة ما بين 740 و680 ق. م. تقريباً، وعاصر عدة ملوك في مملكة يهوذا. وهو كاتب السفر الذي يحمل اسمه. هو أشهر من تنبأ عن المسيا المنتظر (إشعياء 7 و9 و53).
11. إرميا: ينحدر النبي إرميا من نسل كهنوتي، وقد خدم بدءاً من العام 627 ق.م. إلى ما بعد السبي إلى بابل عام 586 ق. م. وقد عاصر عدّة ملوك في يهوذا. رأى انهيار المملكة وتدمير أورشليم بعينيه. كتب السفر النبوي الذي يحمل اسمه بالإضافة إلى سفر مراثي إرميا.
12. حزقيال: هو كاتب سفر حزقيال. كان حزقيال من نسلٍ كهنوتي، ولكنّه سُبي صغيراً عام 597 ق. م. (حزقيال 1: 1-3)، ولم يتمكّن من الخدمة ككاهن في الهيكل، لكنّ الرب أراه رؤى كثيرة عن الهيكل الذي كان قائماً والذي سيقوم لاحقاً.
13. دانيال: كان من النسل الملكي لمملكة يهوذا (دانيال 1: 1-7)، لكنّه سُبي صغيراً إلى بابل عام 605 ق.م. أعطاه الرب حكمة في تفسير الأحلام والإنباء بأحداثٍ عظيمة عالمية قادمة دوَّنها في السفر الذي يحمل اسمه.
14. الأنبياء الصغار: هؤلاء هم كتّاب اثني عشر سفراً صغيراً. كان بعض هؤلاء رعاةَ غنم، وآخرون كهنةً. تعرَّض بعضهم للإهانة والذل، وآخرون جُرِحوا في حياتهم العائلية والخاصة. تحمل أسفار هذه المجموعة أسماء كتّابها، وقد ترد عنهم بعض التفاصيل ضمن السفر نفسه أو مواقع أخرى خارج السفر.
15. متّى: يُدعى أيضاً لاوي، وهو أحد رسل يسوع المسيح الاثني عشر. كتب إنجيله كشاهد عيان على خدمة الرب يسوع وأحداث موته وقيامته وظهوراته.
16. مرقس: كانت الكنيسة في أورشليم تجتمع في بيت أمّه (أعمال 12: 12). انطلق مع برنابا وبولس في الرحلة الكرازية الأولى لهما (أعمال 12: 25؛ 13: 5)، ولكنّه لم يكمِل الرحلة معهما، بل رجع إلى أورشليم (أعمال 13: 13). أدّى هذا إلى حصول نزاع بين بولس وبرنابا حين أراد برنابا لاحقاً أن يصطحب مرقس معهما (أعمال 5: 39-40). ولكنْ واضحٌ أنّ مرقس تغيَّر جداً لاحقاً، فصار رفيقاً لبولس (2تيموثاوس 4: 11) وبطرس (1بطرس 5: 13). ويمكن اعتبار الإنجيل الذي يحمل اسمه تدويناً لما رواه بطرس.
17. لوقا: كان طبيباً رافق بولس في الكثير من رحلاته (كولوسي 4: 14؛ 2تيموثاوس 4: 11). هو كاتب الإنجيل الذي يحمل اسمه وسفر الأعمال. واضح أنّه اعتمد في ما دوّنه على ما رآه شخصياً أو على مقابلاته الحريصة مع شهود عيان (انظر لوقا 1: 1-4؛ أعمال 1: 1-2؛ أعمال 16: 11 حيث يستخدم لوقا ضمير المتكلم الجمع). وهو بهذا يُعتبَر مؤرِّخاً من الطراز الأول.
18. يوحنا: كان صياداً (مرقس 1: 19-20)، ثمّ صار أحد تلاميذ الرب يسوع الاثني عشر. كان مقرَّباً جداً من الرب يسوع. كتب الإنجيل الذي يحمل اسمه، وثلاث رسائل وسفر الرؤيا.
19. بولس: يُنسَب إلى بولس أكبر عدد من الأسفار، إذ كتب ثلاث عشرة رسالة. كان في البداية فريسياً قاوم الإيمان المسيحي (أعمال 8: 3؛ 9: 1-2)، ولكنّه التقى بالرب يسوع في الطريق إلى دمشق، فتغيَّرت حياته تماماً، فجال يكرز في كل العالم، ويزرع كنائس، ويدافع عن الإيمان المسيحي وينشره.
20. يعقوب: هو ذو قرابة وثيقة بيسوع المسيح (متّى 13: 55؛ مرقس 6: 3)، لكنّه لم يكن يؤمن به إلا بعد أن مات وظهر له ظهوراً خاصّاً بعد قيامته (1كورنثوس 15: 7). لعب دوراً مهماً في مجمع أورشليم الذي تمّ فيه التوصل إلى طبيعة العلاقة بين المسيحيين من خلفية يهودية والمسيحيين من خلفية أممية (أعمال الرسل 15). وهو كاتب الرسالة التي تحمل اسمه.
12. بطرس: هو الرسول المقدام الأشهر من بين رسل يسوع المسيح الاثني عشر، وهو كاتب رسالتين تحملان اسمه في الكتاب المُقدَّس.
13. يهوذا: هو أخو يعقوب، وهو مثل يعقوب في عدم إيمانه بيسوع المسيح أثناء حياته (يوحنا 7: 5). وهو كاتب الرسالة التي تحمل اسمه.
هؤلاء بعض كتّاب أسفار الكتاب المُقدَّس الأشهر. ثمّة آخرون كثيرون غيرهم، تُوجَد إشارات إلى بعضهم، بينما ربما لا نعرف شيئاً عن آخرين.
كتب هؤلاء خلال حوالي 1550 سنة. اختلفوا في الزمن والظروف والثقافة والأصول، ولكنّهم اتّفقوا في توجيه القرّاء إلى الرسالة نفسها: محبة الله للبشر التي أظهرها بطرقٍ مختلفة. وقد كان يسوع المسيح أسمى هذا الطرق بموته لخلاص العالم.