لم يولد العهد الجديد من فراغ، أو يُدوّن بعد قرون على يد رهبان من القرون الوسطى لديهم وقت فراغ كثير. بل نشأ من بيئة مُفعمة ونابضة بشهود العيان في القرن الأول الميلادي – حينما كانت أقدام الناس لا تزال تلامس التراب نفسه الذي لمسته أقدام يسوع الناصري.
عاش يسوع وعلّم وصُلِب، و (كما ادعى أتباعه الأوائل) قام من بين الأموات – كل ذلك بين حوالي 30 و 33 ميلادي. انتشرت تعاليمه شفهياً في البداية، كأخبار ثورة. في الثقافة اليهودية القديمة، لم تكن التقاليد الشفهية كالقيل والقال الحديث؛ بل كانت انضباطاً جماعياً ومُدرّباً. فقد حفظ الحاخامات والتلاميذ نصوصاً ضخمة ورددوها باستمرار، وهكذا حافظ أتباع يسوع على كلماته في قصص وعظات وأمثال.
ومع تقدم شهود العيان الأوائل في السن أو استشهادهم، دُوّنت تلك الروايات الشفهية. فقد كُتبت الأناجيل – متى ومرقس ولوقا ويوحنا – كلها بين حوالي 60 و 95 ميلادي. يجادل باحثون مثل مايك ليكونيا، وكريج بلومبيرغ، وريتشارد باوكام بإقناع حول الأساس الشهادي لهذه الكتابات، خاصة في إنجيلي يوحنا ومرقس (الذي يُحتمل أنه استمد من بطرس). الأسماء المرفقة بالأناجيل – متى جابي الضرائب، يوحنا الرسول، لوقا الطبيب، مرقس مترجم بطرس – ليست مجرد تخمينات عشوائية. آباء الكنيسة الأوائل مثل بابياس وإيرينيوس يؤكدون هذه الإسنادات التقليدية في وقت مبكر من القرن الثاني.
ثم هناك القانون: كيف تم اختيار هذه الأسفار؟ منذ الأيام الأولى، كانت المجتمعات المسيحية تقرأ وتنسخ وتوقّر الأناجيل ورسائل بولس. كان جوهر العهد الجديد متداولاً على نطاق واسع بحلول أوائل القرن الثاني. وبحلول زمن رسالة أثناسيوس الفصحية عام 367 ميلادي، كان القانون قد تم الاعتراف به، ولم يُخترع. يصف باحثون مثل مايكل كروجر هذا بأنه اعتراف بالأسفار ذات السلطة، وليس تحركاً سلطوياً من قِبل مجامع الكنيسة.
خلاصة القول: لم يكن العهد الجديد أسطورة متأخرة. لقد ولد في عالم حيّ، يتنفس، مليء بشهود العيان – ومؤلفوه لم يكونوا يكتبون قصصاً خيالية. كانوا يوثقون ما اعتقدوا أنه تاريخ سيغيّر العالم.
يسوع، شهود العيان وقانون العهد الجديد
2025-09-02