أقسام الكتاب المُقدَّس

أمسِك بنسخةٍ للكتاب المُقدَّس وقلِّب صفحاته. ستقابلك عناوين مختلفة لأجزائه المختلفة. فالكتاب المُقدَّس كتابٌ في أقسام وأجزاء، وتقع أجزاؤه في أجزاء أصغر منها. وهذا ما سنتحدَّث عنه في مقالتنا الحالية.

يتألف الكتاب المُقدَّس من جزأَين أساسيين يُدعيان العهد القديم والعهد الجديد. تتعلَّق كتابة العهد القديم بالفترة التي سبقت المسيح، بينما تتعلَّق كتابة العهد الجديد بالفترة التي تبعت المسيح.

الكلمة “عهد” تعني “ميثاق” أو “اتّفاق” أو “تعهُّد”. فقد دخل الله قبل المسيح في عهدٍ أو ميثاق مع إبراهيم ثبّته مع ابنه إسحق وحفيده يعقوب. ثم عمل اتّفاقاً رسمياً مع نسله عند جبل سيناء، وهو ما يُدعى بالعهد الأول (عبرانيين 8: 7) أو العهد القديم. ارتبط قطع هذا العهد بخدمةِ أنبياء قدّموا تعليماً ونبوّاتٍ وقصائدَ روحية من الله فدُوِّنت. وعُرِفت كل وثيقة باسم “سِفْر”، أي كتاب.

وبعد مجيء المسيح وخدمته، انكبّ أتباعه على نشر الخبر السار عن مجيئه وموته وقيامته، وكتبوا الكتب والرسائل لحفظ قصّة المسيح العجيبة تلك، وإيصال تعاليمه إلى أكبرِ عددٍ ممكن.

وهكذا، نرى أن “أسفار” الكتاب المُقدَّس موجودة في جزأَين رئيسيين أولهما سابق للمسيح وثانيهما تالٍ للمسيح. وضمن كل عهدٍ، لا ترد هذه الأسفار بصورة عشوائية، بل منظَّمة.

لتقسيم أسفار العهد القديم تقليدان: التقليد العبري والتقليد اليوناني. ما يختلف هنا هو كيفية ترتيب الأسفار لا محتواها. وسننظر إلى كليهما عن قرب.

بحسب التقليد العبري، يتألَّف العهد القديم من ثلاثة أقسام هي: التوراة والأنبياء (النبيئيم) والكتابات (الكتوبيم). التوراة هي القسم الأول من العهد القديم، وهي الأسفار الخمسة التي كتبها النبي موسى: التكوين، الخروج اللاويين (الأحبار)، العدد، التثنية (تثنية الاشتراع).

أمّا قسم الأنبياء فهو الأسفار التي تُنسَب كتابتها إلى الأنبياء. بعض هذه الأسفار تقدِّم سرداً تاريخياً لأحداثٍ مهمة من الفترة التي تلت موت موسى وحتّى سقوط أورشليم وتدميرها، فيما أسفار الأنبياء الأخرى تقدِّم تعليماً يخاطب الظروف الراهنة أو المستقبلية. يقع ضمن الجزء الأول أسفار يشوع والقضاة وصموئيل الأول وصموئيل الثاني وملوك الأول وملوك الثاني (وفي بعض الترجمات، تُدعى هذه الأسفار بأسفار الملوك الأول والثاني والثالث والرابع)، إشعياء، إرميا، حزقيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبدياً، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجّي، زكريا، ملاخي.

أمّا القسم الثالث ضمن التقليد العبري فهو الكتابات (في العبرية “كتوبيم”). لعبت وتلعب هذه الأسفار دوراً مهماً في حياة العبادة والحياة العملية عند اليهود. وتتكوَّن الكتابات من الأسفار التالية: المزامير، أيوب، الأمثال، راعوث، نشيد الأنشاد، الجامعة، مراثي إرميا، دانيال، عزرا، نحميا، سفرا أخبار الأيام.

هذا هو التقسيم الأقدم لأسفار العهد القديم، وهو التقسيم الذي كان سائداً في فلسطين زمن يسوع، حيث أشار يسوع إلى هذه الأقسام في قوله: “ناموس موسى (التوراة) والأنبياء والمزامير (أول وأهم سفر ضمن الكتابات ويمثِّلها)” (لوقا 24: 44).

وفي هذا التقسيم، في بعض الأحيان، كانت أسفار الأنبياء الصغار (هوشع، يوئيل، عاموس، عوبدياً، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجّي، زكريا، ملاخي) تُضَمّ معاً، وكان سفرا صموئيل سفراً واحداً، وسفرا الملوك سفراً واحداً، وسفرا الأخبار سفراً واحداً، وسفرا عزرا ونحميا سفراً واحداً. وأحياناً، كان سفر راعوث يُضم كملحَق إلى سفر القضاة، وكان سفر مراثي إرميا يُلحَق بسفر إرميا. ولذا، قد تجد في النسخ القديمة للنص العبري 22 إلى 24 سفراً، وذلك يعتمد على ما يتمّ جمعه من أسفار معاً.

ومن ناحيةٍ أخرى، وضع اليهود اليونانيون تقسيماً آخر للعهد القديم. حيث قسَّموه إلى أربعة أجزاء رئيسية. وقد تبنَّت الكنيسة المسيحية، بصورة عامّة، التقليد اليوناني، كما يظهر في الترجمات القديمة والحديثة للعهد القديم. وهذه الأقسام الأربعة هي:

(1) أسفار موسى الخمسة أو التوراة: التكوين، الخروج، اللاويين (الأحبار)، العدد، التثنية (تثنية الاشتراع).

(2) الأسفار التاريخية: يشوع، القضاة، راعوث، صموئيل الأول (ملوك الأول)، صموئيل الثاني (ملوك الثاني)، ملوك الأول (ملوك الثالث)، ملوك الثاني (ملوك الرابع)، عزرا، نحميا، أستير. وتروي هذه الأسفار تاريخ شعب إسرائيل من لحظة تسلُّم يشوع قيادة شعب إسرائيل وحتّى عودة الشعب من السبي البابلي وتثبيت دعائم الحياة الدينية لشعب إسرائيل في القرن الخامس قبل الميلاد.

(3) الأسفار الشعرية والحكمية: أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأنشاد. كُتِبت هذه الأسفار بأسلوب شعري (وهو مختلفة في نمطه عن الشعر العربي)، وهي أسفار تُقدِّم تعليماً روحياً يتعلَّق بعبادة الله، وتعليماً ينقل حكمة الله ويوضِّح مقاصده. كما يؤكِّد سفر نشيد الأنشاد على الزواج والعلاقة الزوجية.

(4) الأسفار النبوية: إشعياء، إرميا، مراثي إرميا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبدياً، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجّي، زكريا، ملاخي. خاطب أنبياء العهد القديم شعبهم بهدف إصلاح الوضع الروحي وتصويبه من أجل أن ينعكس هذا الإصلاح في كل حياتهم. كما أنبأ هؤلاء بأحداثٍ مستقبلية محدودة وعامّة، وأهمّ ما أنبأوا به مجيء ملكٍ مُخلِّص تأكَّد لاحقاً أنّه يسوع المسيح.

وهكذا، فإن القسم الرئيسي الثاني من الكتاب المُقدَّس هو العهد الجديد، وهو الأسفار المتعلقة بحياة يسوع المسيح وتعليمه وحياة الكنيسة الأولى وجهادها وتعاليم رسل المسيح وتلاميذه. يتألَّف العهد الجديد من أربعة أجزاء رئيسية تضمّ سبعاً وعشرين سفراً.

(1) الأناجيل: وهي أسفار متّى ومرقس ولوقا ويوحنا. كُتِبت هذه الأسفار بيد تلميذين عاصرا يسوع في خدمته وعرفا عائلته (متّى ويوحنا)، وبيد تلميذٍ للرسولين بولس وبطرس عاش في اليهودية (مرقس)، وبيد تلميذٍ للرسول بولس عمل دراساتٍ بحثية تاريخية في الجليل واليهودية (لوقا). تحكي الأناجيل عن ولادة يسوع المسيح وحياته وتعليمه وموته وقيامته لتُبيّن للقارئ أنّ هذا هو مُخلِّص العالم وملكه المستحِق.

(2) الأسفار التاريخية: وضمن هذه الفئة يوجد سفر أعمال الرسل فقط، وهو سفر كتبه لوقا رفيق بولس. يحكي هذا السفر عن عمل الروح في كنيسته الأولى خاصّة من خلال الرسولين بطرس وبولس.

(3) الرسائل: وهي وثائق أرسلها رسلُ وقادة الكنيسة الأولى إلى كنائس وجماعات كانت بحاجة للتعليم والتنبيه والتوجيه. الثلاث عشرة رسالة الأولى ضمن هذا القسم كتبها الرسول بولس (رومية، كورنثوس الأولى، كورنثوس الثانية، غلاطية، أفسس، فيلبّي، كولوسي، تسالونيكي الأولى، تسالونيكي الثانية، تيموثاوس الأولى، تيموثاوس الثانية، تيطس، فليمون). أما رسالة العبرانيين، فيختلف العلماء بشأن كاتبها، فيما الرسائل الكاثوليكية السبعة (يعقوب، بطرس الأولى، بطرس الثانية، يوحنا الأولى، يوحنا الثانية، يوحنا الثالثة، يهوذا) كتبها رسلٌ وقادةٌ غير الرسول بولس.

(4) الأسفار النبويّة: رغم وجود نبوّات في الكثير من أسفار العهد الجديد، فإن سفر الرؤيا هو الوحيد الذي يمكن اعتباره سفراً نبويّاً. يتحدَّث هذا السفر إلى كنائس مُضطهَدة في أسيا الصغرى بلغة نبوية رؤيوية، وينظر في أحداثه إلى المستقبل حين سينهي المسيح يسوع الشر ويحرِّر تابعيه من الظلم الواقع عليهم. كاتب هذا السفر هو يوحنا تلميذ يسوع المسيح المُقرَّب.

هذا هو الكتاب المُقدَّس بتقسيماته المختلفة. تختلف الأسفار بكتّابها البشريين، وفي أساليبها الأدبية، وفي أهدافها الجزئية، ولكنّها تجتمع وتتّفق معاً في السعي إلى قيادة الإنسان نحو معرفة إله الكتاب المُقدَّس معرفةً حقيقيّة بالمُخلِّص يسوع المسيح.



المقالات ذات الصلة

اترك أول تعليق